Posts Tagged ‘اليسار’

كان يا ما كان في (قريب) الزمان، وسالف العصر والأوان لحتى كان،

كان في صبية سورية اسمها ديما،

“ديما عملت،  ديما ساوت، ديما ظريفة، ديما حبابة، ديما بنت مسؤول سابق، ديما نشيطة، وضحكت ديما ، وأكلت ديما، وشربت ديما، رسبت ديما، نجحت ديما، وديما طلعت مظاهرة، وشاركت ، وما شاركت.. و عشقت ديما فلان، و تركها فلان، ديما طفلة، ديما قد حالها (كدعة)”

هيك كانت حياة ديما، صاخبة، ومليئة بالأحداث،

عرفت ديما،،،، وكانت بدها تبقى بسورية، تشاورنا مع العديد من الاصدقاء وغير الاصدقاء لحتى نحاول نعمل شي سلمي، وكنت شخصياً جزء بسيط من حلقة النقاش، الخوف من الفشل لاحقني (بصراحة ربنا)، وصار الفشل.

الفشل (عادي جداً) في محاولات الحراك السلمي، لكن بيبقى أثره (على المدنيين) أقل خطورة من فشل الحراك المسلح، لكن للأسف القتل أو الاعتقال هو ثمن بيدفعه الناشطين السلميين بشكل رئيسي.

ديما اعتقلت بسبب خطأ، صنفته براءة طفولة، إي ديما طفلة كانت بين أشخاص ادعى كتير منهم الرجولة، وكانت بسيطة أمام كتير آنسات وسيدات افتكروا للحظة أنهن قادة المستقبل يلي اتخللوا عنه بالأساس حتى ما يفقدوا الشهرة الافتراضية، أو فرصة لجوء دسمة…

ديما غلطت لكن ما أذت أي حدا، ديما شاركت لكن ما فضحت الدنيا، ديما زينت سوق (صاروجا في دمشق)، وسايرت كتير أشخاص مريضين نفسيا مفكرين حالهم إما غيفارا أو عمر بن الخطاب، ديما ما حكت على حدا بطريقة سيئة حتى لو كان سيء، و لا جاملت أي شخص لأنها ببساطة مابتريد هاد الشي.

اعتقلت ديما، وبدوامة المعارف الكتيرة، والصداقات الكتيرة ……..تخلى عنها الكل،

تحررت ديما بشرط السفر وبضغط من الوسيط الأساسي (العائلة)، وفعلاً هيك صار. ببساطة و برأيي كتير صار معهم هيك، في البعض قال عنها عواينية، و البعض حذفها عن الفيسبوك (ع أساس يعني كتير مهم الموضوع)، والبعض قام بالتشهير فيها، وبأخلاقياتها يلي بتشرف فيها كل صبية في العالم).

انغدرت ديما من شخص فكرته بيحبها، وتركت المنفى القسري لمنفى اختياري وتبرأت عيلتها منها.

ضحت ديما مشان أحد الذئاب يلي فكرته رجل. اعتادت ديما تضحي مشان أي قضية، والحب قضية بذاتها وبتستحق التضحية أكيد بقاموس ديما.

التقت ديما بالحبيب المفترض، القادم مؤخراً من الغوطة الدمشقية، وحامل معه افتراضات بأنه ثائر حقيقي،

التقيت فيه عدة مرات بالصدفة بالغوطة، وكان عم يدور على حشيش، وكان معفش بيت لجماعة هربوا من جحيم الخراب، لكنه مبسوط كونه عايش على حساب النظام، الكهرباء ما بتقتطع،  و المكيفات على قفا مين يشيل، وبعده ما عمل شي من وقت طلع آخر مظاهرة بمنطقة الميدان……مرة كان عنده واحد من المخابرات بس على قوله أنه هاد بيساعده (بالطلعة والفوتة LOL).

غدر ديما ببلاد الغربة، خانها وتركها ضايعة، لا شغل ولا بيت، ولا أهل،،

اتصلت مرة، ومرتين، بعدين ما عاد عرفنا عنها شي.

 مرضت ديما، وتوفت، كانت صديقتها معها بس، وكان صديقها الصدوق ببلاد اللجوء عم يحكيها دائماً خلال احتضارها.

تعالت أصوات الذئاب في الداخل والخارج، و أحدهم نعتها بالعاهرة ، وما أسهل الشتم من شخص جبان في بيته يختبئ وراء الفيسبوك.

أقيم المأتم الفيسبوكي، و حضرت العائلة لاستلام الجثة من بلاد المنفى، وتم نسيان ديما.

“كنت كعادتي في دمشق، أصارع مرضي اللعين، أتخيل حشودا من السوريين في الشوارع، أتخبط بين ثنايا حواري ساروجة والعمارة….رأيت نعوة باسم ديما في العديد من الشوارع الدمشقية. لقد نعتها حارات دمشق من ساروجة و حتى الحميدية، ومروراً بالتجهيز. وصولاً إلى الشعلان و الروضة.

 بكت عليها جدران دمشق، وهذا شرف لن يناله أي من ذئاب الغدر عندما يموتون. عويلهم لن يصل أبعد من غرفتهم.

 لا أعلم، شعرت بأن دمشق أعطت الرد الأمثل لهؤلاء الذئاب…لم تكن ديما من دمشق، كانت من غير محافظة لكنها كانت سورية أكثر بكثير من بعض ذئاب الثورة في دمشق.

لم تنفع نشأتي في منزل يساري (شيوعي ماركسي) في أن أصبح أحد كوادر الحزب الشيوعي السوري مثلاً، ولم تنفع طفولتي في الثمانينات من الانضمام لحزب العمل الشيوعي الذائع الصيت حتى الآن من خلال بعض مشاهيره على الفيسبوك..كما لم تنفع قراءتي لكتاب رأس المال لكارل ماركس المرمي بين صناديق كتب والدي بأن أكون نظرة واضحة نحو الطريق الذي أريد أن أسلكه.

هذا هو حالي على الأقل، ولكن حالي قد يشابه حال الكثيرين من الشباب السوري الذين نشأووا على أحلام اليسار وليس أي يسار.. يسار شيوعي كادح، يسار يستطيع أن يصبغ السماء باللون الأحمر، ويستطيع حصد هكتارات من سنابل القمح بضربة منجل، ويستطيع الإطاحة بأكبر رأس رأسمالي بضربة مطرقة.

انتهت الثمانينات لأكون طفلاً شاهداً على انهيار الاتحاد السوفيتي، الحليف الأكبر لحافظ الأسد، حافظ الأسد الذي أصبح قائداً مؤلهاً لحزب أرهب كل من نطق بكلمة يسار أو شيوعية، أو اجتمع مع بعض أصدقائه لمناقشة أي قضية. رحل الاتحاد السوفيتي وبقي حافظ الأسد ملتصقاً بشبكة المخابرات السوفيتية ك ج ب، والتي أصبح اليوم أحد أهم عملائها رئيساً لما يسمى بروسيا.

أسماء كثيرة طرحت على أنها تمثل اليسار السوري، وأنها السبيل الوحيد لبناء توازن سياسي مقابل حزب البعث الذي أصبح الحزب القائد… لم يصبح القائد من فراغ، فانضمام بعض الأحزاب اليسارية إلى الجبهة التقدمية التي تدعي الوطنية، وعزوف اليساريين الشرفاء عن العمل السياسي رفضاً لهذا الانصهار هو الذي جعل حزب البعث يزداد قوة وبطشاً.

أين الرفاق، وأين الكوادر؟ كحال أي توجه ضيق الأفق رافقت الحملة الشرسة التي شنها نظام الأسد على اليساريين في سورية ، وليس على الأحزاب اليسارية، حالة من العزوف عن تكوين فكر يساري يخدم الطريق الحزبي، والتنظيم اليساري الذي لطالما كان مضرب مثل في عمله السري ونجاح هذا العمل.

عن نفسي أتحدث، كشاب يريد الانضمام إلى حزب يساري حقيقي لا يطبق شريعة بلشفية كشريعة فلاديمير لينين، ولا على أساس الثورة الماركسية في القضاء على الطبقة المالكة ، لم أجد حزباً يسارياً ولو كان في المنفى يعنى بتطوير الفكر اليساري السوري الذي له ظروفه الموضوعية وأصوله التاريخية، ونظرياته المستقبلية، وأدواته كي يستقطب فيها الشباب السوري، ويمهد الطريق بروية لكي يكون نواة يسار سوري واقعي.

لا يمكن بناء مجتمع جديد دون تطوير فكر معاصر ومتجدد على الدوام، كما لا يمكن لأي تجربة حزبية أن يكتب لها النجاح على أساس القائد الأوحد، واعتماد سياسة القطيع تجاه كوادر الحزب. هل تسهرون حتى يأتيكم ستالين المنتظر كما ينتظر البعض منكم المهدي المنتظر أو السلطان العثماني المنتظر؟
هل ننتظر بناء دولة اشتراكية تعيد أدوات القمع وتبني معسكرات غولاغ (مودرن)؟

للأسف كانت الصورة النمطية عن اليسار السوري أنه يسار الكفر والالحاد، يسار كأس العرق وسهرات الليالي الملاح، وهذا بحد ذاته اشكالية لا يمكن القبول بها، فالكثير من المتدينين على مختلف فئاتهم ومشاربهم يحملون فكراُ يسارياً صرفاً، وكذلك الملحدين فالقضية إذاً لا تعني فئة دينية أو لا دينية معينة وإلا كان الأولى قيام دين جديد لا حزب يؤمن أتباعه بما يؤمن به الكثيرون أو دين وثني كغيره من الأديان المنتشرة على أساس الشخص الواحد أو المجموعات ذات اللون الواحد.

إن الصورة النمطية عن اليسار كانت ومازالت ذريعة التيارات الاسلامية في سورية التي لا أستطيع الاقتناع شخصياً حتى اللحظة بتوجهها المعتدل، والغريب أن يرتسم الاعتدال عندما تريد الجهة الممولة لتنظيماتهم ذلك، ويزول هذا الاعتدال بزوال الحاجة إليه. نعم، يوجد أشخاص مسلمون معتدلون وهذا واقع، لكن كتيارات الاسلامية كانت ومازالت تقوم على مبدأ الإلغاء والإقصاء، واليوم تعيش على نهج الإبادة، وعندما لا تجد من تبيده تبدأ بإبادة أنفسها وتكفير بعضها البعض، والواقع السوري يشهد عليهم، ولا يوجد أصدق من هذا الشاهد أبداً.

أعود لأفكر من جديد كيف استطاع نظام الأسد المعادي للتوجه اليساري بأن يصبح حليف روسيا الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وكيف أصبح اليساريون الذين كانوا  كما يقال للسخرية منهم يفتحون مظلاتهم (الشماسي) أينما وجدوا عندما تمطر في روسيا من أكثر الأشخاص عداوة لها، وبل أكثرهم كرهاً من قبل روسيا نفسها، وحتى قبل اندلاع الثورة السورية لم يكونوا على مستوى المسؤولية التاريخية تجاه اليسار بشكل عام، واليسار السوري بشكل خاص. لكن الحل موجود في حضن الحزب الشيوعي الفرنسي.

هو نفس السؤال الذي يطرحه صديقي عن كيفية تحول الحزب القومي السوري الاجتماعي الى ذراع حزب البعث في سورية ولبنان في الجوانب المخابراتية والعسكرية والعمليات الميلشياوية، وهو الحزب الذي قتل أحد أعضائه الضابط البعثي الشهير عدنان المالكي الذي ما تزال المنطقة المسماة باسمه في دمشق تمثل رمزاً لنخبة الطبقة الرأسمالية السورية، ومعقلاً لمعظم مسؤولي نظام البعث وميليشيات الأسد.

لا أناقش هنا نضال بعض اليساريين خلال الثورة السورية، فقد ناضلوا كأفراد بشكل قوي منتفضين على واقع اليسار السوري فارضين ايقاعه في مناطق عديدة منها مدينة دوما معقل الحركات الاسلامية حالياً، فاليد الواحدة لا يمكنها أن تصفق، لكن يمكنها العمل مع أيادٍ أخرى في حال امتدت لهم وهذا مالم يحدث بسبب استيراد مفهوم القائد الواحد والمناضل الأوحد ليس من حافظ الأسد فحسب بل من الاستسلام إلى مفهوم ضحل عن الماركسية حول الرأسمالية والبرجوازية الذي بقي مجرد شعارات رنانة في ظل التطور السريع للرأسمالية كمفهوم حياة متطور وليست كامتياز حصري، فالأمثلة كثيرة على تحول بعض العمال إلى رأسماليين ، وتحول بعض الفلاحين إلى اقطاعيين، بعد اتباعهم أساليب تتناقض تماماً مع المفهوم الاشتراكي أو العدالة في توزيع الثروات ، وهي المبادئ التي قتل في سبيلها الملايين عبر سنوات النضال الإنساني وليس (اليساري فقط)، والذي لم ولن ينتهي.

أتت الثورة السورية في العام 2011 لتكشف الستار عن عيوب بعض من احتكروا العمل اليساري لصالحهم في سورية ، وفشلوا فشلاً ذريعاً في استقطاب كوادر شابة بأعداد كبيرة تستطيع العمل بتنظيم دقيق حتى تخلق واقع يساري ثوري بامتياز، مع العلم أن الشباب (اليساري) الذي انخرط في الثورة منذ أيامها الأولى لم يكن مؤطراً حزبياً ولديه مفهوم ضبابي عن معنى أن تكون يسارياً أو بالأخص يسارياً شيوعياً، ولا فضل لعجائز اليسار السوري في نضال الشباب اليساري أبداً حتى لو جلسوا معهم يوماً أو شهراً أو عاماً كاملاً خلال الثورة، فالمحرك الأساسي للشباب كان مواجهة النظام الفاشي الأسدي طلباً للحرية والكرامة علهم يستطيعون التعبير بطريقة حقيقية عن أنفسهم.

يسألني صديقي عن حال اليسار السوري اليوم، وشيوعي الأمس، ومستقبل اليسار في سورية الجديدة، وعن إمكانية أن استظل (بالشمسية) خاصته التي يحملها صيفاً شتاءً، فطمأنته أنه حالياً لا يوجد يسار سوري فلا تقلق على شيء ميت، أما شيوعي الأمس فمنهم من عاد إلى عزلته، ومنهم من أصبح لاجئاً في فرنسا بمعية مسؤول ملف الهجرة في الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لم ولن نسمع عن هذا الحزب أن قام بحدث صاخب تجاه شيوعي سورية المعتقلين خلال الثورة السورية على الأقل، فاطمئن فشيوعي الأمس مرتاحون في قبورهم أو منفاهم الطوعي، أما عن المظلة (الشمسية)، فإني أدعوك إلى توضيبها، كدعوتي لعجائز اليسار السوري لأن (يضبوا الشماسي)، وأن يتركوا الشباب السوري بما يحمله من أخطاء ومفاهيم وتناقضات حتى يرسم طريق اليسار السوري في المستقبل….فلا تخشى ذلك أيضاً.
عندها قال صديقي … ياجهيمان.. فما كان منا إلا ضحكنا ساخرين من واقعنا المزري وأصوات القذائف من حولنا، فرحنا نردد بحالة هستيرية وبكلمات غير مترابطة بعضاً مما نذكره من كلمات قصيدة الشاعر الرائع الراحل مظفر النواب عندما رثى جهيمان العتيبي:

يا جهيمان حدق فما يملكون فرائضهم
نفذت.. نفذت..زرعتهم قرحا
ونفذت نفذت بعيدا فأصلابهم عاقرة
فإذا طوفوا كان وجهك
أو سجدوا فالدماء التي غسلوها
تسد خياشيمهم ومنا خيرهم وقلوبهم الآثمة
لم يناصرك هذا اليسار الغبي
كان اليمين أشد ذكاء فأشعل أجهزة الروث
بينما اليسار يقلب في حيرة معجمه
كيف يحتاج دم بهذا الوضوح
إلى معجم طبقي لكي يفهمه
أي تفوه بيسار كهذا
أينكر حتى دمه.

دمشق، 23/08/2015