حدث أن اضطرت مواطنة سورية إلى مغادرة لبنان لبعض الوقت، وقد تزامن ذلك مع الكثير من الحوادث حولها، لكن ما يشكل أمراً عاجلاً لها اليوم هو الكيفية التي سوف يعاملها بها عناصر الأمن العام اللبناني، فهل سوف يؤخرونها عند ختم جواز السفر، أم سوف يتململون أمامها، أم سوف ينظرون لها بالعين البوليسية التي لا نعلم من درّبهم عليها.
كل ذلك واكبه تجمهر في “المصنع اللبناني” لفئتين متناقضتين من الحشود، الأول وهو للسوريين الذين مازالوا يعانون من القوانين المشددة حول تواجدهم في لبنان ومنهم من قد يعود ضمن الخطة الأمنية الجديدة، والثاني هو للبنانيين ممن يتسابقون للحج إلى مقامات دمشق؛ إذ يتوافد الكثيرون إلى المقامات الشيعية هذه الأيام وعاشوراء على الأبواب، ولعل أهم المقامات لهم في دمشق الآمنة حديثاً هي كل من مقام (الست رقيّة)، في منطقة العمارة الجوانية ومقام (رأس الحسين) في الجامع الأموي المثيرين للجدل تاريخياً، والذين بحكم موقعهما الاستراتيجي تكاد تشعر أنك في كربلاء لا دمشق من كثرة الزوار المتشحين بالسواد.
كان “المصنع” اللبناني مكتظاً بالحشود دون أي مظاهر عنصرية تذكر سوى ما حشره الإعلام اللبناني مؤخراً في فكر بعض اللبنانيين أن اللاجئين السورييين هم أحد أسباب مرض السرطان، بالإضافة إلى ما قاله عادل كرم مقدم البرامج اللبناني الساخر عن تواجد السوريين في لبنان، وكذلك ما يسكن فكر كل سوري ولبناني شاهد مقاطع الفيديو التي تم تداولها خلال السنوات السابقة عن مظاهر العنصرية اللبنانية ومقاربتها دوماً بالاستضافة السورية لبعض العائلات اللبنانية في العام 2006، والتي من الممكن أن يكون بعض اللبنانيين يدرّسونها لأبنائهم لأجل التصدي لأي محاججة مستقبلية مع أحد السوريين. وأهم ما يمكن أن يرد في ذهن السوريين اليوم أنه هل من أبناء أو أزواج وأقارب هؤلاء الحجيج من كان السبب الرئيسي في تهجيرهم من قراهم تحت راية سلاح حزب الله.
المفاجأة كانت عندما كان ضجيج العمل هو المسيطر على المصنع اللبناني، حتى أن بعض العناصر اللبنانيين يتشاركون أطراف الحديث مع بعض السورييين وأبنائهم (الكُثر) كي يمضي هذا اليوم على (خير).
مطأطؤو الرأس، ومنهمكون في عملهم كما هو المفترض دائماً، كان عناصر الأمن العام اللبناني يتموضعون خلف حواسيبهم دون كلل أو تذمر. فالحجاج إلى دمشق من اللبنانيين بالمئات، ولا مجال لتعطيل أشغالهم الدينية، لا حبّاً بهم، ولا فضلاً عليهم، هو الخوف أو الولاء لراعيهم حزب الله الذي يهيمن على مفاصل الدولة الحيوية، والأمنية بشكل خاص.
مطأطؤو الرأس، لا يعرفون اليوم سوى الابتسام للجميع إذ أن الحجيج متشحين بالسواد ومعروفين شكلاً ولهجةً، لكن هنالك تشابه بحالة السوداوية مع السوريين ونخص السوريات المتشحات بالألم عوضاً عن الرداء الأسود.
اليوم، ممنوع الخطأ لدى مطأطئي الرأس، فقد تكون تلك السيدة من الحجاج المفترضين، إذاً فالنظر إليها بشكل غير لائق غير مقبول ولو كانت تميل بنسبة كبيرة إلى أن تكون سورية، كما أن التلفظ بالكلام المسيء، والتأفف من العمل الكثير أيضاً ممنوع، فالمغادرون في معظمهم اليوم من حجيج حزب الله، فهل يعقل أن تنقل صورة سيئة عن الأمن العام اللبناني في المصنع إلى حزب الله.
استفاد السوريون كثيراً في هذا اليوم إذ أنه على الأقل لم ينبس أحد بكلمة سيئة عنهم لا لأجلهم بل خوفاً من أي لبسٍ قد يحدث مع الحجيج المتشحين بالسواد فتكون الكارثة أكبر من حجم خطأ من موظف في الأمن العام اللبناني.